في محاولة لارتقاء موجة الاعتراضات الثورية

موقف علاوي؛ ديماغوجية ونفاق سياسي

  

عصام شكــــري

ishukri@gmail.com

 

الصراع بين الكتلتين الاسلامية الشيعية الموالية لايران والقومية العربية المدعومة من امريكا ودول الخليج وصل الى درجة غير مسبوقة من الاختلاف الى درجة اتهام كل طرف للاخر بانه داعم لارهاب تنظيمات القاعدة النشطة في العراق. وضمن هذا الصراع فان خطاب اياد علاوي رئيس كتلة العراقية الذي اطلقه مساء يوم 10 حزيران هو جزء من المواقف الديماغوجية للظهور بمظهر الحريص على التظاهرات ومصالح الجماهير ومعاداته للدكتاتورية وتسلط نوري المالكي * كما يدعي واستثماره لموجة الاعتراضات الثورية في العراق ولاستعادة مكانة كتلته المنهارة.

 

ولكن الاتهامات المتبادلة بالارهاب لكلا الطرفين هو مجرد وجه من اوجه الصراع القديم بين هاتين الكتلتين المدعومتين من طرفين دوليين متصارعين هما قطب ارهاب الاسلام السياسي بقيادة جمهورية الاعدامات والرجم (الجمهورية الاسلامية الايرانية) من جهة وقطب ارهاب الدولة الامريكية وجيشها المجرم الذي زرع الموت والدمار وحول العراق الى ساحة قتال بين الميليشيات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية وفتح اوسع الابواب لدخول الارهاب وميليشياته من جيش القدس واطلاعات وجيش المهدي ومنظمة بدر والدعوة وغيرها. ولكن بعيدا عن صراع القوى الرجعية الوحشية التي جاء بها المحتل الامريكي وجمهورية الارهاب الاسلامي – ايران، فان الجماهير العراق اليوم تكتب تأريخا جديدا للعراق ولجماهيره.

 

فبعد ان قامت قوات المالكي وجلاوزته باختطاف (ليس حتى اعتقال) اربعة شبان من الحركة الجماهيرية الاعتراضية بسيارة اسعاف واخفاءهما لمدة 12 يوما وتعرضهما لصنوف الاهانة والضرب والتعذيب واظطرار تلك السلطات لاطلاق سراحهم اثر تصاعد الموجة الاعتراضية الكبيرة ضد اعتقالهما وتحول هؤلاء الشباب الى رمز الى الثورة العراقية، تصاعدت حدة وقوة الحركة الجماهيرية وتنامى الغضب في صدور المواطنين العراقيين ضد هذه السلطة الميليشياتية المتخلفة والقمعية. وحين انتهت مدة المئة يوم التي وعد المالكي بها الجماهير بالتحسن والانجازات وتوعد بها اعوانه وبشكل دعائي كاذب مانحا لنفسه 100 يوم اخرى بشكل هزلي، فان الجماهير خرجت يوم الجمعة المصادف 10 حزيران لتقول لا له ولاعوانه ودولته الميليشياتية وبرلمانه الكارتوني. وقد رأى العالم كله كيف زج المالكي بشراذم المرتزقة من مجلس اسناد شيوخ العشائر وحزبه الاسلامي المنتمي الى القرون الوسطى التي دفع لها الاموال بسخاء لكي تقمع الحركة الاحتجاجية الثورية وبلباس مدني لكي يجنب حكومته اللوم والتقريع والاستنكار الدولي وتماما كما يفعل اليوم بشار الاسد وحزب البعث في الزج بقوى تلبس الملابس المدنية "الشبيحة" وتطلق النار على الجموع الثائرة في جميع المدن السورية ومن ثم تنسحب ولا احد يدري من اين جاءت والى اين ذهبت وهي في الواقع قوى المخابرات السورية المختفية بلباس مدني.

 

وكرد فعل على الاحتجاجات العارمة وتصاعد الموجة الثورية في العراق، وفي لجة الصراع بين اطراف الطبقة الحاكمة، ومنها كما بينا الطرفان الرئيسيان؛ كتلة الاسلام السياسي الشيعي وكتلة القوميين العرب والاسلاميين السنة، طلع اياد علاوي مساء يوم 10 حزيران (اي في نفس يوم قمع الاحتجاج في ساحة التحرير) ليلقي بالبيان رقم واحد !!. وفيه تحدث علاوي عن الحرية والظلم والتعذيب والجور واشتكى من سوء طالع الشعب العراقي على يد ما سماه "رأس حزب الدعوة" . وكرر علاوي الذي كان احد اركان نظام البعث السابق وداعية الحرب الامريكية على العراق وتأكيداته الوقحة للمحافظين الجدد بامتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل، كرر (هذا الذي يسميه البعض بالعلماني !!) عبارات "الله اكبر" في توعد واضح لنوري المالكي واستنجادا بقوى الاسلام السياسي السني ومذكرا بخطابات حزب البعث الاسلامية ايام الحرب مع ايران. وفي الواقع كان خطاب اياد علاوي اقرب الى الكاريكاتورية منه الى خطاب قومي – اسلامي – بعثي رصين الى درجة قول احدهم انه لم ينقصه سوى عبارة "وليخسأ الخاسئون " التي كان صدام حسين ينهي بها خطاباته المهيجة للمشاعر العنصرية ضد "الفرس المجوس". ان الفرق الكاريكاتوري هو ان علاوي القومي العربي مرتهن بالبيت الابيض وبالبنتاكون وان " الهه الاكبر" الذي يناجيه بلوعة يقبع في واشنطن لا في السماء.

 

الفت نظر شباب الثورة المتحرر (المودرن) الانساني والعلماني وكل الجماهير المحرومة التي تخرج الى الشارع لا تملك غير بضع لافتات وقبضاتها المشدودة الملوحة وغضبها المحتدم في صدورها الهزيلة ان تنأى بنفسها عن هذه القوى ودعواتها الجوفاء بانها تساند الثورة العراقية والحركة الاعتراضية الجماهيرية. ان تلك القوى تريد استثمار الاحتجاجات من اجل تصعيد نفوذها والتنافس مع الاسلاميين الشيعة والحوز على السلطة غير ابهة مطلقا بمطالب وامنيات جماهير العراق وهي غير قادرة اصلا على تحقيقها. ان القوميين - الاسلاميين السنة في القائمة العراقية يستهينون بعقول الجماهير والشباب والمحرومين. ولو كانت تلك القائمة وشخوصها تؤيد منهج ومنطق الثورة الجماهيرية وتؤمن بان الشعب قادر ( من خلال الشارع ) على اجراء التغيير السياسي بنفسه، لما تآمرت مع امريكا والجيش الامريكي المجرم وقيادة المحافظين الجدد من اجل دك العراق بالقنابل ولما صعدوا على جثث الملايين من الشباب والرجال والنساء وقصفوا الناس في بيوتهم وهم نيام وحولوا المجتمع والحياة فيه الى جحيم لا يطاق. تلك القوى بمجملها هي قوى سيناريو مظلم وكالح؛ انها  قوى الدم والقتل والمجازر ودك المدن والقرى، قوى الارهاب الامريكي واعوانه وهم لا يؤمنون قيد انملة بالثورة وارادة الجماهير بالتغيير والا لما راهنوا على الحصار التجويعي لمدة 13 سنة وتجول ساساتهم في اروقة المخابرات الامريكية مروجين لضرورة ادامة الحصار لانه "ينهك الطاغية" وللحرب الاجرامية على المجتمع وقتل مئات الالاف من البشر ليصل وضع المجتمع الى هذه الدرجة من الكارثية والمأساوية.

 

اياد علاوي واعوانه من القوميين العرب الجدد لا يريدون سوى الوصول الى السلطة لخدمة مصالحهم الخاصة والمصالح الاقليمية المرتبطة بهم . وليس بعيدا عن الظن بان امريكا قد تضع ثقلها خلفه لكي تنقذ نفسها من الورطة والفشل والفضيحة السياسية التي تحيطها في العراق، بل وفي عموم المنطقة.

 

لا تسمحوا للقوى التي راهنت على  تجويع الناس وحرمان الاطفال من الحليب والدواء وجعلت المجتمع اهدافا مشروعة للطيران الامريكي وصواريخ كروز، ان ينصبوا انفسهم مدافعين عن ثورتكم وانتفاضتكم. افصلوا خطوطكم عن كل هؤلاء الذين هم في السلطة دون اي استثناء فهم يريدون فقط الاتكاء عليكم لكي يصلوا الى السلطة ويعيدوا انتاج نفس المأساة والكارثة والارهاب والحرمان والجوع والافقار والتهجير والاستعانة بالملالي والشيوخ ورجال الدين والعشائر ويعيدوا خلق المآسي في المجتمع. لتكن ثورة جماهير العراق وشبابه وثواره نقية ومستقلة؛ ثورة ضد السلطة الحالية بكل قواها الرجعية المعادية للانسانية، ثورة من اجل الحرية والمساواة والرفاه والعلمانية والحداثة والتمدن والمجتمع الحر، ثورة من اجل المساواة الكاملة للمراة بالرجل ، ثورة من اجل الكرامة الانسانية، تماما كما انها ثورة من اجل الخبز وانهاء البطالة وتوفير اوسع وارقى الخدمات الرفاه لكل المواطنين.

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

* صرحت الناطقة باسم كتلة العراقية في لقاء لاحق بقناة الشرقية بان المالكي لا يمثل حزب الدعوة واصفة الاخير بانه حزب مناضل وعريق. ولكن  اوليس حزب البعث نفسه قد تأسس في العام 1947 ؟ الا يجعله ذلك حزبا عريقا بنظر القائمة العراقية ياترى !؟.