تظاهرات ضد رمز جبروت الرأسمال العالمي: وول ستريت !

عصام شكــري

تواصلت الاحتجاجات الإثنين في نيويورك تحت شعار "لنحتل وول ستريت". ويقول أحد المتظاهرين جون هيلدبراند وهو مدرس عاطل عن العمل من ولاية أوكلاهوما "القضية هي نفوذ الشركات الكبرى وتأثيرها على السياسة، أنا أريد إلغاء تمويل الشركات من عالم السياسة". وكان اتحاد نقابات المعلمين واتحاد عمال المواصلات قد تعهدا بتقديم الدعم للمحتجين. وجرت مظاهرة ضد وول ستريت في مدينة لوس أنجلوس الإثنين. ونظمت مظاهرات أخرى في الأيام الماضية في مدن بوسطن ولوس أنجلوس وشيكاغو أمام مباني البنك المركزي فيها، وكذلك في مدينة كولومبوس بولاية أوهايو. ومن المقرر إقامة مظاهرة أخرى أواخر الشهر في مدينة تورونتو بكندا.

ان البنوك هي رمز الرأسمالية الامريكية اليوم، وان وول ستريت هو رمز للجبروت الرأسمالي الامريكي والعالمي. ولهذا السبب بالذات خرجت جماهير امريكا لتحتج في هذا الشارع. ان نشاط الجماهير في امريكا له مكانة خاصة بعد ان قامت حكومة اوباما والحزب الديمقراطي ومنذ مجيئها ( ويبدو ان ذلك كان واجبها الاكثر الحاحا الذي القته على اكتافها البرجوازية ) بمساعي حثيثة من اجل دعم البنوك التي كانت على شفير الانهيار بمليارات الدولارات وانقاذها من الافلاس. من اين جاءت بالاموال ؟ من الجماهير العمالية المليونية الفقيرة . ان اعتبار ان تلك الاموال هي من جيوب"دافعي الضرائب من الرأسماليين" مجرد كذبة دعائية هدفها تحقيق المساواة بين الضحايا والجناة. فالرأسمالي لا يدفع سوى جزءا تافها من ارباحه. من اين يحقق ارباحه؟ من استغلال قوة عمل ملايين العمال، من استغلال العمال وحرمانهم من الرفاه والحياة الكريمة ومن كرامتهم الانسانية.

لقد قامت الدولة والخزانة الفدرالية بتعويض البنوك بطريقة و سرعة مذهلة لم يسبق لها مثيل في التأريخ، بشكل، لم ينقذها فقط من حالة الافلاس التي كانت قاب قوسين او ادنى منها ، ولكنها في الواقع قد ادت الى زيادة مداخيل مدرائها بشكل فاحش الى درجة تمتعهم بعلاوات سنوية وصلت الى مليارات الدولارات . جرى ذلك مباشرة في نهاية نفس السنة التي دعمت الحكومة الفدرالية فيها بنوك وول ستريت. وفي نفس تلك السنة ايضا وبشكل يكاد يكون متزامن، رمي الى الشارع بلا عمل ومورد ومنزل اكثر من 8 ملايين عامل مع عوائلهم وجردت ملايين اخرى من بيوتها وصودرت مساكنهم وشققهم من قبل نفس تلك البنوك.

ان هذه الاحتجاجات تمتلك اكثر من دلالة رمزية، فهي تعني وصول الشرارة الثورية الى المنبع المالي للرأسمالية، الى قطاع الرأسمالية الاكثر حضوة ونفوذا على الصعيد العالمي، اي الرأسمال المالي، وان ضغط الجماهير يزداد باتجاه صحيح وبعزم اكثر ثورية من ذي قبل. ان اشتعال لهيب الثورة في امريكا سيلهب العديد من مناطق العالم وخاصة اوربا التي تزمجر الثورة فيها تحت رماد الانهيارات الاقتصادية والجمود والكساد في حين يجد الملايين من الشباب والعمال وخاصة في اسبانيا واليونان وايطاليا انفسهم تحت رحمة البطالة والعيش على الاعانات التافهة للدولة والوقوف في صفوف من اجل تأمين حياتهم التي يدمرها الرأسماليون كل لحظة. ان دول اوربا بشكل عام تعاني من تباطئ معدلات النمو وان المزيد من البطالة والحرمان تخيم بظلالها الثقيلة على الملايين من الشباب الذين لا يفكرون اليوم سوى بالهجزة املا في حياة افضل. ولكن افضل اين ؟

النظام الرأسمالي، ليس في المنطقة العربية، وليس فقط في الدول التي تحكمها برجوازيات تدين باكثر انوع الايديولوجيات نتانة وانحطاط اي الايدويولوجيات الاسلامية والعشائرية، ولكن في اوربا وامريكا وكل مكان، يتعرض الى التزعزع والى المهاجمة من قبل الجماهير الغاضبة. لم تعد الناس تخدع بحرب اقطاب الارهاب، لم تعد تكترث بالانذارات الارهابية وبالتعدديات الثقافية والتقسيمات الاثنية وبالايديولوجيات التحقيرية الا انسانية، التي فرضوها عليهم عنوة، فقد شرعت بهجومها وهاهي اليوم تزيد من تحركها في كل مكان، في مصر، في العراق، في سوريا، في اليمن، في اليونان، في فرنسا، في امريكا نفسها وغدا في دول اخرى واخرى.

ان هذا المارد العظيم الذي يبدو عليه التململ سينهض بكل قامته وحينها سيقلب العالم ليس فقط في قيمه اللا انسانية بل سيقلب عاليه سافله.