لم تدعي الحكومة ان التظاهرات طائفية؟

 

عصام شكـــري

ishukri@gmail.com

 

 

تدعي الحكومة في العراق ان للمظاهرات المشتعلة في محافظات الأنبار والموصل وديالى وكركوك وصلاح الدين أبعادا طائفية. وتشترك مع السلطة ايضا قوى من متزلفيها وطباليها من رجال دين وبرلمانيين وكتبة من الصفوف الثالثة، والجميع يتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة وطنية، بشراكة وطنية، ولجان وطنية، لتضمن السلامة الوطنية، والنزاهة الوطنية وهلمجرا، وطنية لدرجة باتوا معها "مهزلة" وطنية.

ان أولئك الذين يشككون في الطبيعة الاحتجاجية والمطلبية لهذه المظاهرات لا يملكون شيئا سوى العمى عن رؤية أي شيء لا يدخل المال في جيوبهم. ولكن كيف يمكن لشخص رؤية أي شيء حوله بينما هو يرتدي نظارات الطائفية الكالحة ؟!

فلنر كيف بدأت الطائفية.

شكلت الحكومة الحالية في العراق منذ البدء من مجاميع وأحزاب اسلامية طائفية وبرعاية وتوجيه الجيش الأمريكي. نصبوا حكومة تعمق وبشكل منهجي، الكراهية الطائفية، وترسخ تجرئة الجماهير وتدمر البنية المدنية للمجتمع، وترسخ دونية المرأة بسن القوانين الدينية، وتقسم المجتمع الى مناطق وجماعات و“كيانات“ طائفية وعرقية وإثنية. هذه الحكومة توظف مأجوريها من رجال الدين والشيوخ والأئمة ورؤساء القبائل، تفتتح مقرات تسميها حكومية، ومكاتب تسميها حزبية، بينما هي في الواقع أعشاشا لنفح السموم والترويجات المعادية للمرأة ولتقسيم البشر على اسس خرافية ونشر الافكار التوهينية والوهمية. ماذا يمكن أن نطلق على حكومة قررت اغراق شوارع وأحياء العراق بالآلاف من بوسترات الخميني وملالي الدين كما لو أنهم نجوم بوب ؟! ما هي المشاعر التي تخلقها هذه السياسات وماذا يمكن ان نسمي ذلك ؟ وئام وطني؟ وحدة وطنية ؟ ماذا يمكن أن ننعت هكذا حكومة ؟!

ان قادة السلطة في العراق بما في ذلك قادة التحالفات البرجوازية المدعية بالعلمانية ك"الكتلة العراقية" التي انكشف داخلها اوكار من الوهابيين وجماعات القاعدة وحزب البعث، لدرجة أن رئيسها، السيد إياد علاوي بدأ منذ فترة بحملة تبرير بانه لا يتفق مع الكل في الكتلة وبأن نهج كتلته اللا طائفي اصيل ومتجذر وباق وهكذا.  ولكن عفوا، هل نتوقع شئ اخر من اناس قدموا وثائق مزورة لوكالة المخابرات المركزية الامريكية تؤكد قدرة العراق على إنتاج أسلحة الدمار الشامل من اجل تبرير شن الغارات واحتلال المجتمع وقتل مئات الالاف من البشر من قبل اصدقاءهم الامريكان؟!

السيد نوري المالكي، من جهته، حريص على استخدام يده لخط عبارات تمجد العراق وقيم المواطنة والوطن، ولكن في الداخل، عميقا وراء الكواليس، فانه ينكفأ مع أصدقائه في الجمهورية الإسلامية، جمهورية المشانق، لحفر وتعميق خنادق الكراهية الطائفية. يريد ان يلعب اللعبة التي خول له ان يلعبها. ولكنه نسي ان دور الرجل القوي سرعان ما سيصطدم بماهيته الاصلية، ماهية الدين والطائفة لا ماهية رجل الدولة. فحزبه غير قادر اساسا على تجهيزه ايديولوجيا باي مداد للقيام بدور ”زعيم“ لان ايديولوجية الحزب تعتمد على التعريف الطائفي للمجتمع ومفاهيمه مستقاة من الدين وتقسيم البشر الى  الشيعة والسنة اي نفي الهوية المواطنية، فكيف يتسنى لهكذا احزاب ان تدعم رجالها للتحول الى رموز وطنية ؟! غير ممكن.

وبينما يعتبر السيد المالكي ان ترويجاته ومنجزاته  الطائفية مقبولة، فان أي مطلب من الجماهير، سواء كانت في البصرة او الحلة او كربلاء، او الانبار والموصل وبعقوبة، من المحرومين والمحاصرين باليأس والفقر، اي مطلب لانهاء القمع والدونية، يسارع لاتهامه بالطائفية والتواطئ مع الارهابيين والتكفيريين، حتى لو اثبتت له الجماهير آلاف المرات أنها لا تبغي حكما دينيا ولا تبيت نوايا طائفية وليس في يديها شعارات طائفية او بعثية فانه ذلك لن يكون كافيا.

قبل اسابيع وعندما كتب صحفي أمريكي في صحيفة نيويورك تايمز أن هناك مؤامرة قطرية سعودية لدعم الاسلاميين السنة للاستيلاء على السلطة في العراق، فقد كان ذلك في الواقع إشارة امريكية إلى فشل الإسلام السياسي الشيعي للسيطرة على الوضع و" تطبيق الديموقراطية" والتلويح لهم بالعصا الامريكية.

ان هذا الاستقطاب الرجعي في المنطقة بين الاسلام السياسي السني والشيعي قائم ولكن فقط قائم إلى الحد الذي يريدون من خلاله اهماد المظاهرات الجماهيرية، اما بتدمير الثورات وسحقها، أو بتجييرها لخدمة اهداف الدول الاسلامية الموالية للغرب والتي تريد جلب الاخوانجية والسلفية وبقية برابرة القرون الوسطى المجرورين جرا من الكهوف.

الا ان المظاهرات، الاحتجاجات، والجماهير نفسها، ليس لديها علاقة بهؤلاء، لم تنخدع بهم، وان خدعت بجرها الى انتخابات صورية فهي اليوم تخرج مرة اخرى لتعلن اانه لن تخدع مرة اخرى.

في مصر، وتونس وسوريا وفي العراق نفسه، لا شيء مما تقوله الجماهير له صلة بحكم اسلامي لا سني ولا شيعي، لا كراهية طائفية ولا انتقام مذهبي. ان المطالب واضحة ولا تتضمن اكثر من انهاء التعسف والحريات والمساواة، فهل تلك طائفية؟. سيجيبون بنعم.

ولكن العنصر الحاسم اليوم  لم يعد ما يقوله هؤلاء بل  كلمة الجماهير، وليشتد تعسفهم، فكلما اشتد بطش الطغاة، صلبت عود الجماهير.