قصة لم تنته بعد !

 

عصام شكـــــري

ishukri@gmail.com

 

لم اتعرف على منصور حكمت الا عام 1997. وحين وصلني خبر رحيله، واذكر تلك  اللحظات الحزينة جيدا، احسست كمن فقد صديقا عزيزا، صديق طفولة وعمر. صديق تحمل في وجدانك له ومعه كل الذكريات. لم التق بمنصور حكمت، ولم اتحدث معه خلال السنوات الخمسة التي قضيتها اقرأ اعماله واثاره ولغاية وفاته المبكرة جدا، ولكن، حين رحل، كتبت معزيا نفسي “ غيرمعقول، منصور حكمت لم يمت“.! كنت صادقا فيما اقول !.

 

بعد 6 سنوات من رحيله فان الحزب الذي اسسه منصور حكمت ورفع راياته في كل مكان، يزداد ترسخا، نفوذا، حظوة، ومحبوبية بين اوساط الجماهير، ليس في ايران والعراق فحسب بل وتشيع نظراته الانسانية ويشتهر ويبرز نشطاءه وفعاليه على صعيد العالم ايضا.

 

اسس منصور حكمت حركة وحزب الشيوعية العمالية في معمعة نضاله الاشتراكي منذ العام 1979 اثناء الثورة الايرانية. لم يكن مفكرا بالمعنى المثقف للكلمة بل كان منظرا لحركة عملية كان هو، في نفس الوقت، قائدها ومحركها، مناضلا في صفوفها، يضع خططها العملية ومساراتها ويسهر على تطبيقها. ناضل منصور حكمت في التظيمات الشيوعية  واسس منظمات صغيرة مع رفاقه وبدأ حملة لنقد القوى والحركات والتيارات البرجوازية والرجعية؛ نقد كل التيارات ولم تسلم من نقده اي حركة. استجمع قوى الشيوعية واليسار معه واسس الحزب الشيوعي الايراني. سرعان ما استقال من ذلك الحزب ليؤسس الحزب الشيوعي العمالي وهو اغلى آثار منصور حكمت.

 

دافع منصور حكمت عن العمال والاشتراكية ونقد حركة الاسلام السياسي وكشفها. دافع عن المرأة وبين ان النضال من اجل تحرير المرأة يجب ان يكون راية الحزب الشيوعي العمالي وانتقد حركات اليسار التي تدعي ان تلك ليست مهماتنا وان المجتمع متخلف. كتاباته الغزيرة مشبعة بروح ناقدة حادة، لا تساوم، لاوضاع لا انسانية ومجحفة وظالمة يرزح تحت وطأتها ملايين من البشر الحقيقيين وبرهافة الاشتراكي وحسه المفعم بالانسانية.

 

اكثر ما يستوقفني في منصور حكمت هو قدرته الفذة على سحب الماركسية من تحت انقاض تحليلات الحركات التي تدعي الماركسية. حركات تنتمي ، في حقيقة الامر، لطبقات غير الطبقة العاملة وبالنالي فان اهدافها لا عمالية رغم ادعاءاتها.  له قدرة فائقة على استقراء الاحداث، وهي خصلة يتمتع بها قادة الاشتراكية ماركس وانجلز ولينين، والتي تعكس فكرا ً متقداً، جباراً، وواسع الاطلاع.  لقد خصص منصور حكمت جزءا مهما من بحوثه في نقد وكشف تلك الحركات. لم تكن تلك المهمة من اختياره المحض، كما يبدو للوهلة الاولى، ولكنها كانت جزءا لا يتجزأ من متطلبات تمهيد الطريق لتقدم حركة الشيوعية العمالية وتميز ملامحها وتنقية رايتها عن تلك الحركات، وخصوصا في خضم الصراخ الهستيري للبرجوازية حول ” موت الشيوعية“ و“نهاية التاريخ“ و“نهاية الانسان“ اثر سقوط المعسكر الشرقي.

 

ان راية حزبنا هي راية منصور حكمت - راية الحرية والمساواة والتمدن ورفعة الانسانية، راية المجتمع الحديث والمتساو والحر والمرفه، راية  ضد - الفقر وضد—الاسلام السياسي وضد - تحقير المرأة ودونيتها.

 

ساكرر ماقلته يوم رحيله الحزين قبل 6 سنوات: ”منصور لم يمت“، وازيد، مازالت الاشتراكية حية في القلوب فان منصور حكمت سيظل حيا!.